
قلب الصحراء
تتآمر الصحراء على الجسد بصمتها المتّسع، فلا جهة تُشير إلى نجاة، ولا خطوة تُشبه التي قبلها، ويتحوّل الهواء إلى محكمة خفيّة تُصدر أحكامها من داخل الرئتين، لا من خارجها، وتنسحب العلامات من معناها كما تنسحب النجاة من الطريق، ويتقدّم الزمن ببطءٍ متوحّش لا يُمهل أحدًا، ولا يُعلن عن شيء، ولا ينتظر تفسيرًا. كل من سار لم يعرف إلى أين، وكل من توقّف لم يعرف ما الذي انتهى، لأن الصحراء لا تُخبر، ولا تفسّر، ولا تبرّر، بل تترك من فيها معلّقًا بين خطوةٍ لا تقوده، ونفسٍ لا يملكه.
وما إن تُمحى الظلال، ويجفّ الصوت قبل أن يُنطق، ويستقرّ الخوف في المفاصل كأنه ذاكرة قديمة أُعيد تنشيطها، لا يعود في الجسد ما يُراهن عليه، ولا في الأفق ما يُعيد المعنى إلى مكانه، وتغدو الحياة مجرد حركة خاملة داخل حكم مؤجّل، لا يُنطق به، ولا يُلغى، بل يُنفّذ دون إعلان؛ هناك، بين الخيانة البشرية وخيانة الرمل، بين الرصاص والارتعاش، تُحبَس أنفاس الشهود، وأنت منهم، وإن لم تتكلم.